تشاؤم اوغسطينوس في مقابل الرؤية الكتابية لايريناوس
أوغسطينوس و إيريناوس قرآ نفس فصول سفر التكوين 2-3، ولكن بالنسبة لأوغسطينوس الخطيئة الأصلية كانت كارثة أصلحها جزئيا فقط المسيح. في حين أنه بالنسبة لإيريناوس فالخطيئة كانت أشبه بسقوط طفل لأول مرة و هو يتعلم المشي . يمكننا المقابلة بين أراء الإثنين كما يلي:
قرأ أوغسطينوس القصة (سفر التكوين) بطريقة أكثر حرفية بكثير (من إيريناوس). كانت قصة خطيئة آدم وعقابه وموته بالنسبة له قصة من الماضي، ولكن جميع البشر، بما أنهم ذرية آدم، كانوا منغمسين في ذلك الماضي. على الرغم من خطيئة آدم لها عواقب مستمرة و مروعة لجميع نسل آدم، ليس هناك شيء يقدر ان يفعله هؤلاء الأحفاد حيال ذلك. وقعت كل الأحداث في الفصل الأول من قصة البشرية وكل الفصول اللاحقة تتحدث عن التطور الحتمي لعواقب هذه الأحداث.
بالنسبة لأوغسطينوس فإن عمل آدم حدد مصير الجنس البشري. ليس الأمر كذلك عند إيريناوس الذي عاش أقرب إلى زمن المسيح والرسل. بالنسبة لإيريناوس، المسيح يأخذ في نفسه كل الجنس البشري، بما في ذلك آدم، ويجعل عمله الخلاصي يشمل الجنس البشري بأكمله.
هذا هو أقوى إختلاف في فهم إيريناوس، لأن بالنسبة له تاريخ البشرية وتاريخ الخلاص هما نفس الشيء. هذا المسار قد يتلوى وينعطف في العديد من المسالك المخلتفة، ولكن ليس هناك اختلاف جذري ... كان مصير الجنس البشري مقدرا في آدم بالفعل، ولكن هذا القدر هو أن يصير على صورة الله وشبهه.
الفردوس والخطيئة
عمل ايريناوس المدعو الدليل على التبشير الرسولي يبدأ بنسخة ملخصة لكنها رائعة وجذابة لقصة الخلق والسقوط. الترجمة الإنجليزية (التي ترجم منها هذا النص إلى العربية) خاصة بجي بي سميث إس جي (J.P. Smith, S.J):
"ولكن الإنسان صنعه هو بيديه آخذا من أنقى وأجود الثرى و مزج قدرته هو ذاته بحساب و حكمة مع التربة ، لأنه أعطى له هيكل رسم شكله الخاص حتى أن المنظر المرئي له أيضا ينبغي أن يكون إلهي - إذ أنه على صورة الله تشكل الإنسان ووضع على وجه الأرض - و حتى ما يأتي الى الحياة نفخ في وجهه نسمة الحياة، حتى أن الإنسان أصبح مثل الله في الإلهام كما في الهيكل ..." (الدليل، 11).
لاحظ عناية الله الخاصة في تشكيل الجسم البشري والروح: جعل الجسم "إلهي" في المظهر، والروح "إلهي" في الالهام. عند إيريناوس، كل ما يفعله الله جميل. شكل الجسم نفسه هو "إلهي" كما لاحظ معجبا بجماله. اكثر من ذلك فالروح إلهية. هذا هو نفس الحياة التي نفخه الله في الجسد. النفس هو صورة لله. وهو دائم، خالد، يعيش إلى الأبد (راجع الثاني- 34). وهذه الحياة الموهوبة الفكر والإرادة الحرة لا تتوقف عن العيش متى جلبها الله إلى حيز الوجود. صورة الله مثل الله من حيث أنها لا نهاية لها وسوف تعيش الى الأبد. لكنها ليست مثل الله من حيث أن الله ليس له بداية، ولكن الروح لها بداية.
"الشبه" لله مطبوع في حياة الإنسان، ومع ذلك، هو ليس جوهرها. هو هبة و يمكن القضاء عليها من الروح عن طريق الخطيئة. ولكن حتى بعد الخطيئة فالروح القدس يمكنه إعادة الشبه مرة أخرى (راجع الخامس، 6، 1). من الواضح أن إيريناوس كان معلما ماهرا حيث انه يوضح حقيقة أساسية لل المسيحيين الجدد الذين كانوا يعانون من أخطاء الغنوصية: أن الخطيئة تؤثر سلبا على الجمال الروحي للنفس ويدمر صورة الله التي تبنيها النعمة فيها. ولكن المرء لا يفقد كل شيء متى يذنب، لأن الروح القدس يمكنه أن يعيد المرء إلى المجد الأصلي.
النعمة يمكنها أن تدخل في الروح و يمكنها أن تتركها بسبب الخطيئة ثم تدخل مجددا. "الشبه" هو نفس الله الذي أعطاه الروح القدس: "الروح القدس شكل الإنسان على شبه الله" (الدليل رقم 5، انظر سميث ص 50). عندما يفقد الإنسان الصورة من خلال الخطيئة، يمكن للروح القدس إعادتها مرة أخرى.
كلمة الله يمشي مع آدم في الجنة
إيريناوس يرسم صورة شاعرية للفردوس البكر. و قد يكون استخدم مثال تعليمي متداول في ذلك الوقت. كانت الحياة في الفردوس جميلة قبل الخطيئة. الله كان قد أعد الحديقة لآدم، و الحيوانات فيها كانت قد كبرت بالفعل. و لكن آدم وحواء كانا لا يزالان أطفال. إيريناوس عادة ما يقول أن "كلمة الله" هو الذي يمشي في الفردوس مع والدينا الأولين، "مشيرا" إلى تجسده في المستقبل.
و كم كانت جميلة جدا و طيبة تلك الحديقة، و كلمة الله كان يمشي باستمرار فيها؛ كان يتجول ويتحدث مع الإنسان مشيرا إلى ما كان سيأتي مستقبلا، وكيف انه سيصبح رفيق الإنسان، و سيتحدث معه ، ويأتي في وسط البشر معلما اياهم العدالة (الدليل، 12).