Thursday, August 4, 2011

عن الشركة


تحذير: التدوينة دي هتبقى غريبة شوية... فيها كلام في  الدين (المسيحي)... و فيها كلام عاطفي... و فيها كلام عن مصر... يعني غالبا هي مش مناسبة لحد!


الإنسان كائن خلق للمشاركة، ده الفكر المسيحي* في هدف وجود الإنسان. و بتعبر أدق، الإنسان كائن مشاركي (communal)، يستمد وجوده - حرفيا - من شركته مع الله. و هدفه الأسمى هو الاتحاد بالله.
و الفكر ده لا ينظر للإنسان كفرد بقدر ما ينظر للبشرية جمعاء ككيان واحد. يؤمن إنها كلها مرتبطة ببعضها، و ده على المستوى الوجودي مش بس بالمعنى الإجتماعي المعتاد بتاع افعالنا بـتأثر على مجتمعاتنا.
يعني نقدر نقول إن الواحد مننا مربوط وجوده بالله (فكر في "الروح") و مربوط برضه بالبشرية كلها، و البشرية كلها مربوطة بالله.
الرابطة دي من نفس طبيعة الحب، أو نقدر نقول إن الحب أحد تجليات الرابطة دي.


و مع الشركة و الحب مفيش أنانية، نتيجة الفكر ده مفروض يبقى إحساس بأننا "كلنا في الهوا سوا" يؤدي لاسلوب حياة "يا نعيش عيشة فل يا نموت احنا الكل!"
ده على فكرة يفسر حاجات كتير من أول صلاة الكنيسة للعالم كله مرورا باستخدام نظام - يمكن ان نسميه الآن إشتراكي - في توزيع الثروة في الكنيسة الأولى و لغاية الإستشهاد الجماعي في فترات معينة من تاريخ الكنيسة**.


الأنانية - حتى الأنانية الروحية بتاعة فكر في خلاص نفسك - لا مكان لها في الايمان ده خالص، بالعكس، كل أشكال العزلة هي موت روحي، سواء كانت عزلة عن الله أو عزلة عن الناس***.


الفكرة ان علاقة الفرد بالبشرية كلها - و علاقته بكل فرد فيها - مش علاقة اختيارية. و ده شيء مميز في الفكر ده. أنت مش بتختار إن مصيرك يرتبط بمصير كل الناس، لكن أنت محتاج تحدد إزاي ناوي تتعامل مع الموضوع ده.
الألم رد فعله الطبيعي و الفوري هو العزلة لحماية الذات و لحس الجروح، لكن رد الفعل المسيحي - يعني المستمد من الشركة مع المسيح - و بالتالي بيسحب من حساب مفتوح - هو العكس  بالضبط، المتألم يعين المتألمين و المجرب يعين المجربين.
و الألم مش إختياري، لكن العطف على المتألمين و الصلاة لأجلهم و خدمتهم مثلا فعل إختياري و مشاركي و فيه تتجلى ألوهية الإنسان أي مشاركته لله.


و على الناحية التانية، كل محاولة من الإنسان لفصل نفسه عن ما حوله و من حوله غالبا هتنتهي بيه في مكان وسطي لا راحة فيه ولا مكافأة. نوع من اللامكان (limbo). بمعنى انه لا هينجح يفصل نفسه تماما عن الالم الناتج من شركته مع الجميع، ولا هياخد القوة النابعة من عمل الله فيه لاقامة العالم و لا هيحس بالفرح الناتج عن إنتصار الله للجميع من الألم و مداواتهم منه. 


الكلام ده ينطبق على حاجات كتير قوي
ينطبق على عزلة الأقباط داخل كنائسهم. آه هما ظاهريا في شركة مع بعض، لكن في الواقع انفصالهم عن المجتمع و تعاليهم عليه بيهدم الشركة دي و بيسطحها. كأن لما الله نزل للعالم، احنا قلناله انزل أنت احنا هنقعد لوحدنا!


ينطبق على عزلة الكنيسة القبطية عن باقي كنائس العالم و خوفها من البروتستانت و تجاهلها للكنائس الأرثوذكسية و الكاثوليكية الأخرى، و من سخرية القدر - و ربما من تدبير الله لتعليمنا - إن لما اشتدت علينا  الحروب الفكرية و الروحية ماعرفناش إن حروبنا غيرنا برضه بيحاربها، و فيه اللي غلب كمان - واحنا بنحاول نعيد اكتشاف العجلة وحدنا!


ينطبق على عزلة كثير من المصريين و بالذات أولاد الطبقة الوسطى و العليا عن باقي الناس، لغاية لما قامت ثورة شعبية و ظلت نسبة مش قليلة رافضة تعترف بالواقع و بعدين بقت مقاومة له****. بنسمي دول حزب الكنبة و أغلب ظني انهم مش قاعدين على كنب بيتهم، لأ دول مستخبيين تحته!


ينطبق على عزلة كل منا عن مشاكل الناس اللي حوالينا حتى و إن كانت مؤثرة علينا. زي لما أتفرج على تايملاين تويتر بتاعي و ألاقي كل الناس بتتكلم عن شيء ما (غالبا متعلق بمصر الثورة) و ألاقي صديقي اياه مصمم ميتكلمش غير عن إزاي هو نعسان أو جعان أو يتكلم عن دماغ الموسيقى اللي بيعملها. كل ده كلام ظريف و هو حر، لكن محاولاته المستميتة لتجنب الكلام فيما يضايقه تحت إعتقاد إن ده أريح له بيفكرني بالأطفال لما يغموا عنيهم و يفتكروا إن كده ماحدش شايفهم مادام هما مش شايفينه!


ارتباطك بالبشر مش هايتفك لمجرد إنك تجاهلته، في الواقع هو مش هايتفك خالص.


ينطبق على عزلتنا أيا كانت، و في كل عزلة بنبعد عن الشركة.
أنا فاهم كويس قوي إزاي الشركة دي ممكن تبقى مخيفة. مين يقدر يشيل كل الهم ده على كتفه؟
بس احنا مش هنشيل حاجة، ربنا هو اللي شايل الهم، احنا هنشترك معاه على قدنا، و في ده هنكتشف قوة و سعادة و شعور بالكمال. أيوه هو اللي احنا بندور عليه ده.


الهروب مفيش منه فايدة، الحاجة الوحيدة اللي هيعملها هو تطويل مدة الألم.


حلنا الوحيد هو في الإستسلام للحب الإلهي اللي بيزقنا ناحية اننا نحس بالناس و نشترك معاهم.


* لما أقول مسيحى أنا دايما قصدي الأرثوذكسي الشرقي إلا لو قلت غير كده. للأسف، فكر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية حاليا هو ابعد ما يكون عن الفكر ده رغم إنها كانت في يوم من الايام منبعه الأول.
** لا يترجم الإحساس ده لعقيدة منطوقة بخصوص الحياة الأخرى في أغلب الحالات، غالبا بسبب مبدأ المستيكية الشرقي.
*** فيه طبعا فكر رهباني ينادي بالعكس و هو ده السائد، لكن أنا دايما هاتكلم عنه بصفته فكر منحرف - مع كامل احترامي و حبي للأنبا أنطونيوس مؤسس الرهبنة.
**** أنا عارف ان رافضي الثورة مش كلهم لون واحد و اسبابهم تختلف. أنا هنا باتكلم عن نوع واحد من الرافضين و أحد الأسباب فقط.

No comments:

Post a Comment