Thursday, March 15, 2012

في نقد الحوار الكنسي - 2: التواضع



من اكثر الردود التي نراها في الحوار مع خدام الكنيسة هي الدعوة للتواضع... و لنتناول ماذا يقصدون بذلك.

أولا يبدو ان التواضع عندنا هو شيء "تفعله". فهو ليس شيء بداخلك - أو بالأصح لا يهم ان يكون بداخلك -  بقدر ما هو شيء مطلوب منك ان تفعله.
يظهر هذا في الدعوة للتواضع ذاتها - فانت هنا مطلوب منك ان تظهر تواضعك - و يا لها من مفارقة!


قد يكون من السهل رفض الإعتراف بأن هذا التواضع الشكلي منتشر بين الأقباط و الإصرار على ان "القلوب لا يعرفها سوى الله" و "مينفعش نعمم في الكلام"... لو لم تكن قد انتشرت عننا كأقباط سمعة سيئة بخصوص التواضع المزيف حتى صار جزء من صورة نمطية  لنا في المجتمع المصري.
فصورة القبطي النمطية منذ زمن بعيد هي صورة ذلك الشخص الذي يحقر ذاته في كلامه كي لا تستطيع ان تهينه بينما يوجه هو لك الإهانات متسترة خلف احترام كاريكاتوري مبالغ فيه!
أذكر هذه الصورة بوضوح في وصف وجيه غالي في روايته "بيرة في نادي السنوكر" لخادم المنزل القبطي في بيت عائلة غنية.
و بعيدا عن الأدب، كلنا بالتأكيد رأينا أو سمعنا من قبل مشاجرة داخل المجتمع الكنسي من تلك التي تمتلئ بتعبيرات مثل "حاللني" و "أنا ماجيش حاجة جنبك" و "قداستك" و لكنها في نفس الوقت تقطر سما و مرارة.
و بالرغم من انه من الواضح للجميع ان هذا الشكل البغيض من التعامل ليس تواضعا حقيقيا، لكني أعتقد أنه يستمد جزء كبير من وجوده من نظرتنا العامة لما هو التواضع حقيقة.

الإعتقاد السائد هو ان التواضع مرتبط بتحقير النفس عن مستواها الحقيقي الذي تعرفه و يعرفه الجميع.
فمثلا نسمع تعليقات عن فرط تواضع الأنبا شنودة الثالث الذي جعله يجلس على الأرض حينما قابل الأب متى المسكين...
لاحظ هنا ان لا احد يمكنه ان يقول عن جلوس الأنبا شنودة على الأرض ان "هو ده مقامه"، لكننا نرى إختياره ان "يفعل" ذلك تواضعا. أي ان التواضع هنا هو شيء لا علاقة له بحقيقة الإنسان - و الإنسان ذاته يعلم هذا و هو "يفعل" ما يلزم ليكون متواضعا.
هذا هو عادة المقصود بالتواضع عندما يطلب منا في وسط الحوار (أو بعد نهايته) أن نكون متواضعين. المطلوب هنا هو ان نقلل من أهمية و قوة حجتنا بأن نعترف بأننا "غلبانين" و حكمتنا لا يمكن ان تصل إلى حكمة من نجادلهم أو من نتجادل بخصوص آرائهم.

و لكن الأب متى المسكين نفسه كان له رأي مختلف في مسألة التواضع، فقد كتب قائلا "لا أحاول ان اظهر تواضعي او تمنعي اذا طلب مني الصلاة او إبداء الراي في الروحيات، واعتبر ان التواضع الحقيقي هو ان يظهر الانسان علي حقيقته الطبيعية."

وجدت معنى مشابه ايضا في هذه القطعة من تدوينة قبطية كاثوليكية:
تعتبر القديسة تريزا الأفيلية أن التواضع هو اسم آخر للحقيقة. التواضع هو وقفة حقيقة أمام الواقع وأمام ذواتنا. وأسوة بها تقول القديسة تريز الطفل يسوع أن التواضع هو إقرار بالواقع: "يبدو لي أنه لو تسنى لزهرة صغيرة أن تتكلم، لأعربت ببساطة عما صنع إليها الله، دون أن تحاول إخفاء إحساناته، ولما قالت، بتواضع مزيف، إنها قبيحة المنظر لا عطر لها، وإن الشمس قد سلبتها تألقها، وإن العواصف قد كسرت ساقها، بينما تقر في داخلها بأنها على عكس ذلك" (القديسة تريز الطفل يسوع، قصة نفس، مخطوط أ، 3 ش). 


و ايضا نفس هذا المعنى شرحه أحد خدامنا الأعزاء جدا الدكتور سامح جورج (و هو الآن مع المسيح في الفردوس) فقد حكى لنا أحد اصدقائنا - الأعزاء ايضا - هذا الموقف معه:
هو سالنى السؤال ده: ايه هو عكس الكبرياء؟ رديت و قلتله التواضع. رد عليا و قالى انت بجم! عكس الكبرياء صغر النفس و انما التواضع فى ان تعرف امكانياتك وحدودوك و ان تعرف ما انت و استشهد بكلام بولس " انى تعبت اكثر من هولاء فى الضربات اوفر ....


من الواضح طبعا الفرق الكبير بين هذا المفهوم للتواضع و المفهوم الدارج في كنائسنا.

بالنسبة لي فأنا أعتقد أن فهمنا الخاطئ للتواضع هو امتداد ل"لاهوت الدود" المنتشر في تعليمنا الكنسي.
لاهوت الدود (Worm Theology) هو تعبير يطلق على التعليم بأن الإنسان كائن حقير مثل الدودة و لا يستحق محبة الله أو رحمته. المقصود غالبا هو التركيز على كيف ان الله رائع و عظيم لأنه يحبنا برغم ذلك!
مصدر التعبير هو غالبا احد سطور لحن انجليزي قديم لاسحاق واتس تقول (مترجمة): 

"واحسرتاه! أحقا نزف المخلص.. 
و هل مات مليكي؟
و هل أعطى رأسه المقدس..
 لدودة حقيرة مثلي؟"

أتذكر أول مرة لاحظت هذا التعليم عندنا في الكنيسة، كنت صغيرا في السن و كنت مع والدتي في السيارة و كنا نستمع إلى شريط كاسيت ترانيم مسيحية أخذته من معلمة الدين عندنا في المدرسة. لا أتذكر كلمات الترنيمة الآن لكنها كانت شبيهة بكلمات ترنيمة "بقى أنا أستاهل".


أذكر بوضوح ان امي قالت لي وقتها ان الترنيمة لا تعجبها، و بما اني كنت أحب معلمة الدين و بالتالي أحب الترنيمة - فهكذا نفكر و نحن صغار... و يبدو أنا نظل نفكر هكذا و نحن كبار احيانا - بما اني كنت أحب معلمة الدين شعرت بالضيق و سألت أمي لماذا لا تعجبها الترنيمة. اجابتني قائلة اننا يجب ان نعرف ان قيمتنا عند الله عظيمة جدا... فنحن خليقته و أبنائه.


التصقت هذه الكلمات بعقلي الباطن و إن كانت لم تمنعني في فترة شبابي من ترديد ترانيم مثل "بقى أنا أستاهل" بتأثر شديد مثل أي شاب متدين يعيش في حضن الكنيسة. لكن هذه الكلمات عادت تطفو تلقائيا في ذهني عندما بدأت أدرك ان هناك مشكلة حقيقية في نظرتنا لأنفسنا.


فأنا الآن لا افهم حقا ما نوع المجد الذي ننسبه لله بتحقير ذواتنا و نحن أبنائه و أحبائه.
عندما يحب شاب فتاة... هل يكون سعيدا إذا تكلمت عند لقاءهم عن كم هي قبيحة و فقيرة و كم هو عظيم لأنه يحبها برغم ذلك!؟
و لماذا نصر على تجاهل التعليم الخاص بتمجيد طبيعة الإنسان في تجسد المسيح؟
ألم يتجسد المسيح لكي "ياخذ ما لنا و يعطينا ما له؟". كيف يكون لنا ما له و نظل نعيش و نتكلم كمن ما زالوا في قاع الخليقة!؟
هل يعطي أب ميراثا عظيما لإبنه ثم يسر حينما يجده يتحدث معه و مع الآخرين كالمتسولين؟
كيف يمكن ان يرضي تحقيرنا لذواتنا الله!؟

و الذي يؤكد ان هذا التعليم فاسد حتى النخاع هو ان المسيح لم يفعل ذلك قط.
و في الواقع فالمسيح يجب ان يكون مثال التواضع الأعظم بالنسبة لنا كمسيحيين... فهو قد وضع ذاته و أخلاها بأنه نزل من ملكوته إلى عالمنا الساقط ليرفعه اليه ثانيا.
لم يحقر من ذاته لكنه لم يمنعها عن أحد منا.
لم يمتنع عن الكلام في المجمع لصغر سنه لكن نطق بالحكمة الإلهية و تحاور مع المعلمين الأكبر منه سنا و مركزا.
جلس مع العشارين و الخطاة و الزواني و صادقهم و قبلهم إليه.
ارتضى ان يصلب ما بين لصين و ينزل إلى جحيمنا ليشاركنا فيه و ينير وادي ظل الموت بحياته.

و هذا هو بالضبط التواضع المطلوب منا كمسيحيين نحمل الروح القدس - الله ذاته - بداخلنا.
فبالتأكيد نحن لا يمكن ان نمجد الله فينا إن ظللنا نحقر من أنفسنا.


و للحديث بقية... عن سلام الكنيسة الذي نزعزعه بكلامنا




3 comments:

  1. أنا قلت أعلق مخصوص عشان أقولك انى متفق معاك أهه فى أغلب ما قلته!! مش أز يوجوال

    وممكن أضيف نقطة هى انى عارف امكانياتى ولكنى مدرك أن ما فى من صفات حسنة جاية من ربنا مش من نفسى
    زى المثل اللى انت قلته عن بولس "تعبت أكثر من جميعهم" وتكملتها: "ولكن أنا ما أنا بل نعمة الله التى فى"... لأن "كل عطية صالحة وكل موهبة تامة نازلة من فوق من عند أبى الأنوار" شكرا

    مايكل

    ReplyDelete
  2. و أنا متفق معاك جدا في تعليقك برضه... شفت بقى :))

    ReplyDelete
  3. you know what, this makes me so happy of the organization I belong to, like I've fallen into the right hands, they never get enough of stressing upon concepts like this, I esp recall my pastor use the "worm" expression

    ReplyDelete